haitham المدير العام مصمم خاص
عدد الرسائل : 310 نقاط التميز : 1000 مزاجى : المهنة : تاريخ التسجيل : 01/02/2009
| موضوع: ""معلق المباراة""... قصة قصيرة السبت فبراير 07, 2009 6:29 pm | |
| معلق المباراة
كانت خطواتى تتسارع فى الممر الضيق الخانق محاولا الوصول للغرفة المخصصة للمعلقين على تلك المباراة قبل أن تبدأ المباراة. "أسرع ياكابتن..المباراة ستبدأ بعد خمس دقائق " هكذا علا صوت أحد زملائى التقنيين. ووجدتنى أردد ورائه "كابتن" ....................................... .......................................
"أملى فيك كبير يا محمد " تلك كانت دوما كلمات أبى التى يرددها على مسامعى "أريدك أن تصبح عالما..ليس عالما وفقط..بل أريدك ملء السمع والبصر" ..................................... .....................................
"أتريد أن تشرب شيئا ياكابتن قبل المباراة؟" أفقت من ذكرياتى على سؤال عامل المطعم "نعم ..اريد فنجان شاى ..معلقة ونصف سكر"هكذا أجبته ..................................... .....................................
"فنجان آخر من الشاى كما تحبه..معلقة ونصف سكر" "ياأمى ..هذا رابع فنجان شاى تصنعيه لى الليلة..استريحى قليلا ياحبيبة" أجابت أمى وعينيها تقسم أنها مرهقة: "تعبك راحة ..تلك سنتك النهائية فى كلية العلوم ..وأريدك كما كنت دوما "الأول"..أريدك أن تحقق حلمك وحلمنا..وأريدك أن تصبح ضمن هيئة التدريس وتكون تلك نقطة البداية ..بداية آمالنا فيك " .................................... ....................................
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..بدأت أحداث المباراة المنتظرة بين الفريقين الأبيض والأحمر.. وبالطبع كلنا نعلم أن هذه المباراة هى التى ستحسم البطولة لصاحب الفوز ..لصاحب المركز الأول" ................................... ...................................
"الأول ياوالدى..الأول"هكذا دخلت على أبى وأمى دون مقدمات وأنا أقفز وأضحك كالأطفال. لن أنسى ماحييت دمعتى فرح قفزت من مقلتى والدى وزغرودة انطلقت من فم والدتى تشق الآفاق وكأنها تزف الحلم على عروسه "الآمال" ................................... ...................................
"يقوم بتحكيم المباراة طاقم تحكيم إيطالى ..وتم بالطبع إسناد المباراة لطاقم تحكيم أجنبى درءا لشبهة المجاملات" ................................... ...................................
"مجاملات!..لاوجود للمجاملات يابنى فى هذا الموضوع بتاتا..قسمك لايحتاج لمعيدين..بينما قسم صاحب الترتيب الثانى يحتاج لمعيد..هل فهمت؟" بتلك الكلمات السخيفة رد على عميد الكلية وابتسامة صفراء على وجهه لم أعرف بما أرد ..أأرد بضحكة تفضح كذبه وظلمه..أم أرد بصرخة تجلو مابداخلى..أم أرد بدمعة علها تريح قلبى أم أقول له أن قسمى يحتوى على عدد من المعيدين أقل من باقى الأقسام أم أقول له أن الذى تم تعيينه هو نجل رئيس نفس القسم الذى عين فيه وهل هناك فائدة إن قلت أم لم أقل . .................................. ..................................
"ينطلق لاعب الفريق الأبيض بالكرة من منتصف الملعب..ويسدد الكرة لكنها أعلى من العارضة" .................................. .................................. "احكام القضاء أعلى من الجميع..لابد أن تلجأ للقضاء يابنى" كانت الكلمات تخرج من فم والدى ولم أكن أسمع كلماته فقط بل أسمع معها أيضا المرارة الملتصقة بكلماته. ولم أرد أن أزيد من مرارته وأخبره أن معظم الحالات المشابهة لم تنصفها أحكام القضاء. فوافقته ..والمرارة بداخلى تكاد تدمرنى .................................. ..................................
"ويحاول لاعب الفريق الأحمر المرور من لاعب الفريق الأبيض..وبالفعل ينجح فى المرور..لكن يعرقله لاعب الفريق الأبيض من الخلف..وتنطلق صافرة الحكم معلنة عن مخالفة على الفريق الأبيض ولاأعرف لما يعترض اللاعب ..فلايجوز الإعتراض على قرارت الحكم" .................................. ..................................
"لايجوز الإعتراض على أحكام القضاء" ضحكت عندما سمعت تلك الجملة من أحد أساتذتى عندما أخبرته أن حكم القضاء كان جائرا..لكنها ضحكة مريرة أهكذا ببساطة أحرم من حقى بل أحرم حتى من الإعتراض على حرمانى من حقى لا ..ليس حرمانى من حقى..بل قتل حلمى وآمالى. سحقا لهذا الأستاذ ..وسحقا للعميد..وسحقا لأحكام القضاء وسحقا للظلم فإنه مرير.جد مرير ................................. .................................
"ماهذا إنى أرى مدرب الفريق الأبيض ينزل لأرض الملعب معترضا على الحكم..بالطبع هذا لايصح. وإنى أنصحه بأن يركز فى عمله..أن يعمل وفقط" ................................. .................................
"لابد أن أعمل ياأبى ..لقد مرت سنة وأنا أحاول أن أسترد حقى ..لن أنتظر حقا لن يعود..وأعتقد أننى وجدت فرصة عمل جيدة وفرها لى أحد أصدقائى" لمحت فى عينى والدى تساؤل عن ماهية الوظيفة "كاتب حسابات"هكذا أجهضت سؤاله..وغطى التساؤل الذى كان فى عينيه دمعة ألم. ................................. .................................
"تتزايد الإعتراضات على حكم المباراة ويهدد الحكم بإلغاء المباراة..وله الحق..فهذا الملعب دولته وهو الحاكم." ................................. .................................
"إن هذا المكتب دولتى..وأنا هنا الحاكم..وقد سبق أن حذرتك وقلت لك أنه لابد لأسلوبك أن يتماشى مع أسلوبى أنا ..وألا تؤدى دور الموظف الشريف كثيرا.. لكن من الواضح أنك لاتسمع ولاتفهم..لذا فأنت مطرود" .................................. ..................................
"أخيرا أخرج حكم المبارة البطاقة الصفراء ليكون هذا هو الإنذار الأول فى المباراة للفريق الأبيض" .................................. ..................................
"هذا الإنذار الأول و الأخير..لو كررت مافعلت ورحت تشتكى لرئيس الشركة فصلك التعسفى ..فلن يكون الفصل أسوأ ماحدث لك.. بل سأتهمك بإختلاس مبالغ كبيرة من الشركة ..بل سأجعل صديقك يشهد بذلك" لم يكذب مدير مكتبى عندما قال أنه هو الحاكم ..لم يكذب أبدا ................................. .................................
"يمر لاعب الفريق الأحمر فى وسط الملعب ..وهذا اللاعب يمتلك مهارة غير عادية ..وبالفعل يراوغ لاعب الفريق الأبيض مراوغة جميلة انطلقت معها آهات الجماهير" ................................. .................................
"أنتِ هكذا لست صريحة معى..أنتِ تراوغينى.. لم يكن هذا حلمنا ..عندما قابلتك للمرة الأولى فى الجامعة وعلمت من أول وهلة أنكِ النصف الآخر منى ..من روحى.. لم يكن هذا حلمنا ..عندما تواعدنا أن نكون سويا إلى آخر العمر.. لم يكن هذا حلمنا..عندما أقسمنا أننا سنبنى بيتنا سويا لنسكن فيه ولنجعله جنتنا فى الأرض.. لم يكن ضمن حلمنا أن تأتى إلى تخبرينى أنكِ ستكونين لغيرى لم يكن ضمن حلمنا أن تأتى إلىَََ معلنة أنك فى حِلٍ من كل أيمانك لم يكن هذا حلمنا" كنت أظن أن كلماتى ربما تذيب الجليد الذى غطى قلبها.. لم أكن أريد أن أفقد حلما آخر.. "وهل كان فى أحلامنا أنك ستكون بلا عمل..لو تتذكر كان فى حلمنا أنك أستاذ جامعى وعالم كبير وملء السمع والبصر هل كان فى أحلامنا أنك ستكون مفلس ..كان حلمنا أنك ستكون صاحب مال يوفر لنا حياة لابأس بها انظر لنفسك يامحمد .. أنت لم تحقق أيا من أحلامك ..كل أحلامك ضاعت . اعتبرنى حلما..حلما ضائعا" لم ألمها أبدا على كلماتها القاسية..هى لم تكذب ..كل أحلامى ضاعت ..هل سيضرنى لو ضاعت هى الأخرى هى _كما قالت_ حلم..لكن حلم زائف كبقية الأحلام الزائفة. ................................. .................................
"ويراوغ لاعب الفريق الأحمر لاعبا آخر ..ولاعبا ثالث ..ويصبح فى مواجهة حارس المرمى ..ويسدد الكرة قوية فى المرمى وتصطدم بالقائم...يالها من فرصة ضائعة" .................................. ..................................
"اعتبرها فرصة ضائعة ياولدى..وابحث عن فرصة أخرى" شدنى تعبير والدى عندما علم بفصلى من عملى لأنى قررت أن أكون أمينا فى عملى وألا أتلاعب فى الحسابات. "فرصة ضائعة"..عندما فكرت قليلا فى هذا التعبير وجدتها لاتنطبق على هذا الموقف فقط.. فحرمانى من التعيين فرصة ضائعة.. وعدم مساندة القضاء لى فرصة ضائعة.. وخيانة حبيبة لى فرصة ضائعة..
أكثر ماأخشاه أن تكون كل حياتى فرصة ضائعة..وحينها كيف لى أن أبحث عن فرصة أخرى. .................................. ..................................
"يظهر على الشاشة الآن أن نسبة الإستحواذ فى صالح الفريق الأحمر..وأكرر أنه على الشاشة ..حتى لايقول أحد أن معلق المباراة كان منحازا لأى طرف" .................................. ..................................
"معلق مباريات كرة قدم!!" وجدت أبى يكرر تلك الجملة عدة مرات وأمى مشدوهة لاتنطق عندما أخبرتهم أنى نجحت فى اختبارات الإذاعة والتليفزيون وسأصبح معلق مباريات كرة قدم. ثم بعد برهة وجدت أبى بنبرة غاضبة يخاطبنى: "بعدما ظللت طول العمر أمنى نفسى بأن الناس سيلقبون ولدى بالعالم أو الدكتور .. أتراك ارتضيت أن تكون مجرد"كابتن"..أتراك نسيت طموحك؟ ..أنا مارضيت لك بوظيفة الحسابات إلا لعلمى بأنها ستكون مرحلة لتهدىء فيها بحر نفسك الغاضبة ثم تواصل القتال من أجل حلمك..أما وإنى رأيت تلك النظرة فى عينيك فمعناها أنك ألقيت السيف وحطمت الدرع ..وقتلت المحارب الصغير الذى بداخلك.. ارتضيت أن تخلع سترة الحرب..........." قاطعته قائلا: "لا ياأبت ماارتضيت..ماكان هذا كله بيدى وأنت تعلم..لكنى أيضا لا أرضى أن أجلس هكذا كالعاجز عن فعل أى شىء ..لاأرضى أن أرى فى عينيك غشاوة حزن ..لاأرضى أن أسمع فى صوت أمى نبرة حسرة..لاأرضى أن أرى الناس حولى يتهامسون ويضحكون اتركنى ياأبت أعمل..فأنا _والله_ماارتضيت شيئا من هذا كله ولارفضت." ................................... ...................................
"ويطلق الحكم صافرته معلنا نهاية الشوط الأول ..وأكثر ماأعجبنى فى هذا الشوط الروح القتالية للفريق الأحمر..وإلى اللقاء فى الشوط الثانى" ................................... ...................................
الروح القتالية..كم كانت هذه صفة أصيلة فى منذ صغرى.. كانوا دوما يسموننى "المحارب الصغير" أيمكن للمحارب أن يفقد روحه القتالية راضيا بأى شىء أو بلا شىء؟! وماذا فعلت أنا من أجل حلمى ..مجرد محاولة يتيمة..لم أحاول أن أقاتل وأفعل مائة محاولة كما نصحنى أبى وأمى. كنت أقول أن الآخرين قتلوا حلمى..ولكن الآن أرى _وبكل وضوح_أننى أنا من قتلت الحلم ..لاأحد سواى هم أطلقوا عليه السهام..وأنا تركته ينزف حتى الموت
"أملى فيك كبير" "الأول..أنا الأول" "لايجوز الإعتراض" "أنا الحاكم" "الانذار الأخير" "اعتبرنى حلما ضائعا" "فرصة ضائعة" "فرصة ضائعة ..فرصة أخرى" الآن فقط أعى أن كل مافات فرصة ضائعة وأنه لابد أن أفتش عن فرصة أخرى ..أو حتى أن أصنع فرصة أخرى.. الآن فقط ألوم أنى تركت نفسى تغرق فى بحر اليأس وتحرق بنار الظلم دون حتى أن أصرخ..ربما لو صرخت لكانت الآهة هى نبراسى وسبيلى فى رفع ظلمى.. ...................................... ......................................
"إلى أين تذهب ياكابتن..الشوط الثانى سيبدأ الآن" نظرت للرجل بحدة وخاطبته_ وكأنى أخاطب نفسى _ : "أنا لست "كابتن"..انا سأصبح _إن شاء الله_ عالما..أنا سأصبح _إن شاء الله_ ملء السمع والبصر"
وغادرت تلك الغرفة المقيتة وبداخلى عزم الدنيا كله أن أصنع فرصة وقبلها سأذهب لأوقظ "المحارب الصغير".
| |
|